وللمحسنين حق علينا أن نذكرهم ونذكّر بهم... - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


وللمحسنين حق علينا أن نذكرهم ونذكّر بهم...
نبيه عويدات – 10\01\2010
فاعلو الخير كثر في جولاننا، ونحن نراهم دائماً يتبرعون بسخاء عندما تكون هناك حاجة لذلك، وخاصة أثناء القيام بمشاريع عامة كبيرة تحتاج إلى دعم مالي ضخم من الجماهير، والأمثلة على ذلك كثيرة، ربما كان أبرزها في السنوات الأخيرة «مبنى الشام» في مجدل شمس.
ولكن، وبحكم غياب أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة في مجتمعنا، إذ أعتقد أنه ليس في الجولان كله مليونيراً واحداً بالمعنى الحقيقي، فإننا لا نرى متبرعين أشخاصا قاموا بالتبرع بمشاريع كبيرة من مالهم الخاص، باستثناء عدد قليل جداً من الأشخاص سآتي على ذكر عدد منهم في هذه المقالة.

وبحكم علاقة القربى القوية التي تجمعني بالمتبرعين من آل عويدات، ترددت كثيرا قبل الكتابة، وكنت أتمنى أن يقوم أحد غيري بسرد هذه الحقائق التاريخية، لكي ننصف هؤلاء الناس على كرمهم، ولكن، وفي غياب ذلك، لم يكن لي خيار غير القيام بهذه المهمة بنفسي، محاولاً قدر المستطاع أن أكون موضوعياً وأن لا تغلبني مشاعر المحبة والاحترام التي أكنها لهم.

المرحوم يوسف الصفدي

ومن هؤلاء المرحوم المحسن يوسف صالح الصفدي، الجولاني المغترب في أمريكا والذي بنى من ماله الخاص مستوصفاً في بلدة مجدل شمس، تم تدشينه في العام 1965. ومن المعروف عن يوسف الصفدي أنه كان رجلاً ثرياً ومن مؤسسي مدينة "كيلين تكساس"، حتى أن شارعاً في هذه المدينة لا يزال يحمل اسمه حتى اليوم، حيث كان المرحوم يملك العديد من المباني على هذا الشارع - هذه المعلومات استقيتها من أحد أقربائه.

يذكر معظمنا هذا الأمر، خاصة بعد الأحداث الأخيرة، وإشكاليات إزالة المستوصف المذكور. لكن ما لا يعرفه الجميع أن هذا المبنى ما كان ليتم لولا تبرع أصحاب الأرض، فمن هم هؤلاء؟

كنت ومنذ صغري أسمع من أهلي أن أجدادي تبرعوا بالبيدر الذي بني عليه مبنى المستوصف، لكنه لم تكن لدي يوماً هذه الرغبة بمعرفة التفاصيل والأسماء، وربما كان هذا أمراً وراثياً، فأجدادي الذين تبرعوا بالأرض لم يطلبوا أن تذكر أسماؤهم على اللوحة التي علقت على المبنى بعد تدشينه، والتي حملت فقط اسم المتبرع يوسف الصفدي.

المرحوم منصور عويدات
المرحوم محمد ظاهر عويدات

هذا الأمر، بالإضافة إلى أحداث أخرى "أغاظتني" مؤخراً، دفعني للقيام بعملية بحث جدية للوصول إلى تفاصيل هذه العملية، وقد تحقق لي ذلك، لأنه ولحسن الحظ فإن عددا كبيراً من شهود العيان والذين تعاطوا مع هذا الموضوع لا يزالون على قيد الحياة، وهم لا يزالون يذكرون ذلك بأدق تفاصيله، هذا بالإضافة إلى العثور على حجة البيدر المذكور والتي تؤكد ملكية الشيخ محمد يوسف عويدات له، ووارثيه من بعده وهم ابنه منصور محمد عويدات (والد حمد وعلي منصور عويدات) وحفيده محمد ظاهر عويدات، وهما الشخصان اللذان تبرعا بالبيدر، مع العلم أنهما لم يكونا من الأثرياء، بل فلاحين شأنهما شأن غالبية أبناء البلدة في ذلك الوقت، وكان البيدر يعني لهما الكثير، لكن حماسهما وكرمهما وحبهما لهذه البلدة دفعهما إلى التبرع، كيف لا وخمسة أشخاص من هذا البيت استشهدوا في ثورة الـ 1925 دفاعاً عن الوطن وأسماؤهم منقوشة على نصب الشهداء في مجدل شمس.

يقول شهود العيان أن المرحوم يوسف الصفدي توجه إلى المرحوم الشيخ منصور محمد عويدات، الذي كان يعمل في أرضه في منطقة "المشيرفة" وطلب منه شراء البيدر، لكن الشيخ أجابه باستغراب: "إذا كنت قطعت سبع بحور لتأتي وتتبرع ببناء مستوصف لأبناء مجدل شمس، فهل تعتبر نفسك أكرم مني!!! اعتبر أن البيدر ملكك وعمّر عليه المستوصف.. لا أريد مالاً.".
ويضيف شهود العيان، أنه عندما توجه المرحوم يوسف الصفدي إلى المرحوم محمد ظاهر عويدات (وهو ابن أخ منصور عويدات)، وقدم له حجة ببيدر آخر قريب تعويضاً له عن بيدره المذكور، رفض محمد ظاهر عويدات ذلك، وقال له بالحرف: "أنت أتيت من تلك البلاد البعيدة لتتبرع لأبناء مجدل شمس.. أنا أيضاً لي الحق بالتبر
ع لهم.. فأنا ابن هذه البلدة.. لا أريد بيدراً ولا مالاً.. إذهب وعمر المستوصف.".

حصل المرحوم يوسف الصفدي على نفس الجواب من الشخصين، كل على حده، ودون أن يعرف أحدهما بما قاله الآخر.. وهكذا كان، فحصل على الأرض وقام ببناء المستوصف..

بعد هذا توجهنا للجنة الوقف، التي أبدت قدراً كبيراً من التفهم والاحترام للمتبرعين، وأكدت هي نفسها صحة هذه المعلومات، واتفق على أن يذكر أسمي محمد ظاهر عويدات ومنصور محمد عويدات كمتبرعين بالأرض.

والشيء بالشيء يذكر..

المرحوم سليم عويدات

المرحوم صالح عويدات

فإذا ذكرنا منصور محمد عويدات، لا بد لنا أن نذكر أخويه المغتربين سليم وصالح محمد عويدات اللذان تبرعا بقسم كبير من تكاليف بناء المدرسة الابتدائية الأولى في مجدل شمس (مدرسة الساحة)، لكنهما أصرا على أن لا تذكر أسماءهما، وطلبا أن يكون التبرع باسم «فاعل خير».
وهنا تذكرني قصة التبرع تلك التي سمعتها مراراً من أمي التي كانت ترويها مع قدر كبير من المتعة، فتقول:
"كان ذلك في صباح أحد أيام الشتاء الباردة، عندما سأل سليم، شقيق جدك منصور، القادم من كندا لزيارة العائلة، سأل «ستـّك» فريدة إلى أين يذهب خزاعي وغالب في هذا البرد (خزاعي هو المرحوم خزاعي ملي الذي أصبح سفيراً لسوريا في عدة دول فيما بعد، وغالب هو السيد غالب ابراهيم الذي تبوأ مناصب هامة في سوريا أيضاً)، فأجابته أنهما ذاهبان إلى «جباثا» (القرية المجاورة)..
فقال: ولماذا يذهبان إلى هناك في هذا البرد.
قالت: إنهما ذاهبان إلى المدرسة."
وكانت أمي تصف مدى الحزن الذي اعتراه عند سماعه ذلك، فأغاضه أن لا يكون في مجدل شمس مدرسة يذهب إليها الأطفال لنيل العلم، وتوجه إلى المرحوم الشيخ أبو عدنان محمود الصفدي
وأخبره بنيته التبرع للمساعدة في بناء المدرسة، وعندما عاد إلى كندا قام هو وشقيقه صالح محمد عويدات بتحويل مبلغ كان كافياً لشراء الإسمنت والحديد اللازم لبناء المدرسة، بينما تم جمع المبلغ الباقي من تبرعات من الناس، ومنهم من لم يملك المال فعمل بجهده الجسدي..  وهكذا، وبتعاون يدعو للفخر بين جميع فئات المجتمع، بنيت أول مدرسة في مجدل شمس، وهي التي كانت تعرف بمدرسة الساحة، قبل أن يتم هدمها وبناء «مبنى الشام مكانها»، لكن للأسف الشديد لم يذكر أحداً ذلك في حينه.

فلنذكر جيداً هذه الأسماء:
يوسف صالح الصفدي
سليم محمد عويدات
صالح محمد عويدات
منصور محمد عويدات
محمد ظاهر محمد عويدات
لأن للمحسنين حق علينا أن نذكرهم ونذكّر بهم وبأفعالهم...